من طرف قزانية الثلاثاء يوليو 14, 2015 7:44 pm
ان مفهوم التراث أيديولوجيا ، يدل على هوية ثقافية معينة بمعنى القومية، أو على نوع ثقافي معين بمعنى التخصص، كقولنا في الحالة الأولى التراث العربي أو في الحالة الثانية التراث الفلسفي او التراث العلمي وقد كانت الدلالة الثقافية المعينة لشعب ما خاصة الثقافة العربية مصدر خلاف بين المفكرين، لأن مفهوم التراث يخضع لمصادرات مفاهيم أيديولوجية مسبقة تحدده.على هذا النحو تنوعت وجهات النظر وتياراتها في الأيديولوجية العربية المعاصرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: التراثية السلفية (الدينية) التراثية العلمانية، التراثية القومية إلى ما هنالك...
إن تدرجات الفواصل النوعية بين هاتيك التيارات تنعكس على تحديد مفهوم ثان مرتبط بالتراث إلا وهو مفهوم العروبة. وبالتالي مفهوم الأمة، لما بينها من ترابط لا يمكن فصل عراه، فهل نقول: التراث العربي بالمعنى الشمولي لمفهوم العروبة بوصفه صفة كلية للحضارة السامية باعتبار العروبة آخر تجليانها الباقية، المستمرة على جميع مستويات الحضور التاريخي واللغوي؟ أم نقول:التراث العربي الإسلامي بحيث نطابق بين العروبة والإسلام عندئذ تجابه الفكر اشارات وشذرات عاصفة مثل: هل الإسلام دين قومي خاص بالعرب، أم انه دين أمم يتجاوز العرب؟ وبمفاهيم منطقية ـ هل يستغرق الإسلام العرب أم أن العرب يستغرقون الإسلام استغراقاً تاماً؟ حينئذ أين يمكننا وضع مفاصل العرب غير المسلمين من مسيحيين ويهود وغيرهم من الاقليات الاثنية، العرقية ـ الثقافية ـ اللغوية؟ وكيف يمكن حذف مرحلة عرب ما قبل الإسلام بعمقها وتراثها العظيم؟ لكل سؤالية اشكالاتها واحالاتها وشروطها واستدعاءاتها.
ان ضرورة التواصل لا الانقطاع مرتبط بأصالة ذلك التراث وحيويته، والتواصل يعني ربط الماضي بالحاضر عن طريق استيعاب مضمونه وهضمه وتطويره، وانقطاع التراث يعني فقدان الهوية القومية والحضارية، والاشكالية المثارة منذ مدة حول طريقة النظر إلى التراث في المجال الحضاري العربي الإسلامي ناجمة عن الدخول القوي للقيم الحضارية الغربية، وتراجع الأشكال التقليدية للفكر في مجتمعاتنا، مما اوهم انقطاعاً بين تالد الأمة وطريفها.
فكان هناك الذين رأوا إلغاء الماضي لصالح الحاضر، والذين نظروا للماضي بمختلف مناهج النظر والتحليل الحاضرة، والذين أصروا على أن آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها. وهكذا ظلت المحاولات التي جرت لقراءة التراث في نطاق إحدى وجهات النظر الثلاث حبيسة الأيديولوجيا وقاصرة عن الفهم المتكامل.
أولاً: التراث مفهوماً وسمات
التراث لغةً مصدر من الفعل ورِثَ إذ يقال: ورِثَ فلاناً أي انتقل إليه مال فلانٍ بعد وفاته؛ ويقال: ورث المال والمجد عن فلان إذا صار مال فلان ومجده إليه.
وفي ضوء المصطلح اللغوي نرى أن التراث لفظ يشمل الأمور المادية والمعنوية؛ ويتمثل في جميع ما يبقيه الآباء والأجداد للأبناء والأحفاد؛ فهو قبل كل شيء هذه الأرض التـي نعيش عليها؛ ويجب أن يحتفظ الوارث بها
والتراث يشمل ما أنشئ على هذه الأرض من معالم وما قام على ظهرها من آثار؛ وما حفظ في داخلها من خيرات؛ وما ابتدعه عقل الأمة من مبتكرات؛ وما صنفه من تأليف؛ وما سجله من رسوم؛ وما خطه من مناهج؛ ورسمه من سبل ونظمه من مسالك وطرق.
والتراث في معناه العام يشمل كل ما خلفته لنا الأجيال السابقة في مختلف الميادين الفكرية والأثرية والمعمارية وآثار ذلك في أخلاق الأمة وأنماط عيشها وسلوكها؛ فهو منجز تاريخي لاجتماع إنساني في المعرفة والقيم والتنظيم والصنع؛ وهو كل ما هو حاضر في وعينا الشامل مما ينحدر إلينا من التجارب الماضية في المعرفة والقيم والنظم والمصنوعات والحضور ...الخ.