جريدة الزوراء السلطة الرابعة تاريخ نشوئها

تعد الصحافة من أقدم وسائل الاتصال العصرية .. وقد مرت بمراحل متعددة لكل مرحلة خصائص ومميزات , وإثناء رحلتها الطويلة الى يومنا هذا بقيت الصحافة ( كسلطة رابعة ) الى جانب السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية .. حتى ان كثيرا من المفكرين يلقبون العصر الذي نعيش فيه بعصر الصحافة لانها من ابرز القوى التي تعمل فيه , ( فمعنى الصحافة )
وقف بقامتها المديدة تفرض نفسها بين القوى الموجهة في كل بلد .. يقول تولستوي : ( الصحف نفير السلام وصوت الامة وسيف الحق القاطع ومجبرة المظلومين وشكيمة الظالم , فهي تهز عروش القياصرة وتدك معالم الظالمين ) ويقول القيصر نقولا اذ يقول ( جميل انت ايها القلم , ولكنك اقبح من الشيطان في مملكتي ) .
لايمكن لانسان ان ينكر الاثر الذي تتركه الصحف في الحياة فهي اقوى وسيلة في التاثير على الراي العام الذي يحتل اليوم مكان الصدارة ..
والصحافة العراقية سجلت وقفة ومكانة رائعة في تاريخنا المعاصر , وصار للصحفين العراقين كل الحق لاحتفال بها واستعادة ذكريات صدورها التي اقترنت بتاريخ صدور ( جريدة زوراء ( كل عام بعيدها الزاهر , حين وضع الحجر الاساس في خلق الصحافة العراقية , حيث يعد الوالي العثماني مدحت باشا اول من وضع وصدر جريدة الزوراء بعد شهرين من تعين الوالي في بغداد لنشر امور ولاية بغداد وتسليط الضوء على اصلاحاته , حيث جلب معه من باريس مطبعة الية مزودة بالاجهزة الحديثة وكانت اول مطبعة في العراق وصفت بانها اعجوبة زمانها وفريدة أو انها وهي مؤشر حضاري ولا يخفى الحشد البغدادي الذي طوق ضفاف نهر دجلة لاستقبال موكب السفن الذي حمل لبغداد فنون السحر الافرنجي ( ووقف مدحت باشا بين تلك الجموع اذ اطل من سراي الحكومة ( القشلة ) بمعية حاشيته واسدل شعيرات لحيته لهفهفة الريح التي هبت نسيماتها من الجهة الغربية .. )
ظهرت جريدة زوراء الى النور في يوم الثلاثاء 15 حزيران 1869 وكان مقرها المدرسة العلية ( قصر الثقافة والفنون حاليا ) وجعلها جريدة رسمية , وقد جاء في ترويسة عددها الاول ( الغزتة تطبع في الاسبوع مرة يوم الثلاثاء وهي حاوية لكل انواع من الاخبار والحوادث الداخلية والخارجية ) .
وننقل فقرات من افتتاحية العدد الاول :
افتتاحية جريدة زوراء
( من المعلوم انه وان تميز الانسان بشرف القوة المنطقية التي شرفه الله بها على سائر المخلوقات فيحسب قابليته الطبيعية وحسن استعمالها بعلو مقامهِ ومرتبته بميابقته بني نوعه . فالانسان مع استعداده وقابليته الطبيعية غير مقتدر في حد ذاته على تحصيل شيء من الاشياء من تلقاء نفسه والقوة النطقية التي يمتاز بها الانسان مع كونها من خواصه الطبيعية فانها تحتاج الى مرب يربها ومرشد الى منهاج الصواب يرشدها ويهديها ونوع الانسان جل استعداده وترقي قابليته يحتاج الى معين وهو التجربة .
وانا اذا امعنا النظر وتدققنا في حال عالمنا هذا بتصحيح لنا ان التجربة لها عظيم وتاثرات عجيبة في توسيع قابلية الانسان وفي ترقي احوال العالم ومن اراد الوقوف على صحة ذلك فلينتظر الى حال سكان اوربا الذين قد انجلت لهم الغوامض والدقايق فانهم لما علموا ان استعداد الانسان وقابليته هما معولان على التجربة اخذوا يبذلون المساعي في تحسينها وناهيك ان الدرجة التي وصلوا اليها من التمدن والكمال هي شاهد قوي على كيفية قوة الانسان وقابليته , ونحن نسلم بالامر لما نشاهده من اثار التجربة العجيبة ونتائجها الغريبة اذا تاملنا في مسير السفن في البحار وحركة طرق الحديد من اقطار لاقطار بواسطة البخار والمخابرة بسلك التغراف الممتد من اطراف لاطراف في لحظة واحدة من مشرق الارض الى مغربها وذلك بواسطة الاكترونية والطيران في جو المساء بواسطة قوة الغاز وانشاء الكراخين والمعامل وغير ذلك من التسهيلات المفيدة التي نشات من التجارب العديدة ) .
هذا النص جزء من افتتاحية زوراء .
صدرت زوراء باربع صفحات من الحجم المتوسط , صفحتان باللغة العربية وصفحتان باللغة التركية .. وكان سعر الاشتراك فيها عن سنة ( 70 ) قرشا وعن مدة ستة اشهر ( 40 ) قرشا وسعر النسخة منها ( 60 ) بارة داخل الولاية ويضاف اليها اجرة ( البوستة ) وبعد سنة واحدة من صدورها اصبح بدل الاشتراك السنوية ( 100 ) مائة قروش وثمن العدد الواحد ( 50 ) بارة .
اما في سنتها الثانية فقد اصبحت تصدر مرتين في الاسبوع وذلك اعتبارا من عددها ( 126 ) حيث اصبحت تصدر ايام السبت والثلاثاء , وفي 13 شباط 1889 أي بعد حوالي عشرين سنة على صدورها , صدرت بثمان صفحات الاربع الاولى منها بالتركية والاربع الاخرى بالعربية .
وكان مدحت باشا حريصا على الاستفادة القصوى من المطبعة والصحيفة , فقد استقدم الملاك الفني والصحفي معا من اسطنبول وعلى راسهم الكاتب التركي احمد مدحت افندي والفني المعروف زهدي افندي رئيس المرتبين ومن الخطاطين عثمان ياور وابراهيم رشدي .
ويذكر الاستاذ منير بكر التكريتي في كتابه ( الصحافة العراقية ) ( والمتصفح لاعداد زوراء في ايام مدحت باشا يخرج بنتيجة , وهي انها اتخذت الحق ديدنا والمصلحة العامة رائدها ) .
كانت تنشر الزوراء في اعدادها مختلف شؤون الولاية ووكالة الانباء الفرنسية الموجودة في بغداد , فضلا عما تضمنته اعدادها من ارشادات عامة واوامر سلطانية والارشادات الصحية ومقالات ادبية ..
والواقع ان جريدة زوراء حوت الكثير من اخبار العراق واحواله السياسية والثقافية والتاريخية . فهي اعظم موسوعة يرجع اليها تؤرخ مسيرة المجتمع والحياة اليومية وتطورها خلال نصف قرن من الازمان من الحكم العثماني .. ويقول روفائيل بطي في كتابه ( الصحافة في العراق ) ( سجلت زوراء في سنواتها الثلاثة بدقة كل ما قام به المصلح مدحت باشا من أعمال وإصلاحات بحيث تعتبر خير مرجع لتاريخه في العراق ) رغم ذلك كانت الركاكة تسود اغلب الأعداد الصادرة في عهد الوالي مدحت باشا , تداركت السلطة العثمانية هذا الخلل , اناطت تحرير الجريدة بالسيد محمود شكري الالوسي , وفي 14 نيسان 1890 عين السيد فهمي المدرس رئيسا لتحريرها . اما في شباط 1905 فتولى رئاسة تحريرها الشاعر معروف الرصافي وقد استطاع هؤلاء ان يرفعوا بمستواها حيث بادر صفوة الادباء الى الكتابة فيها من بينهم طه الشواف ومصطفى صفوت وعبد المجيد الشاوي وغيرهم .
استمرت جريدة زوراء تنشر باللغتين العربية والتركية , وعندما اعلن الدستور العثماني عام 1908 ظهرت جرائد عربية في بغداد رفع قسمها العربي واصبحت تكتب باللغة التركية وحدها , ثم عادت تنشر باللغتين اعتبارا من العدد 4218 الصادر في 12 تموز 1913 حيث ظهرت بأخراج جديد وبلغة عربية فصحى وبورق جيد .
كان مجموعة ما طبع من زوراء في اعدادها الاولى الف وخمسمائة نسخة لكل عدد , وكانت كل صفحة من صفحات ( زوراء ) تتكون من ثلاثة اعمدة ويضم العدد الواحد زوايا ثابتة هي ( مواد خصوصية ) ( مواد عمومية ) ( مواد خارجية ) .
تعد جريدة زوراء الناطق الرسمي لولاية بغداد وكانت تطلب من كتاب التحريرات في الولايات العراقية الثلاث انذاك بغداد والموصل والبصرة اعطاء كافة مفردات الوقوعات وما يقع من المجريات وكان هؤلاء بمثابة مخبرين ومراسلين .
في 5 ربيع الاول 1286 صدرت الزوراء بخمس صفحات والورقة الخامسة ملحق مطبوع وعلى وجه واحد باربعة اعمدة عمودان باللغة التركية والعموادن الاخران باللغة العربية , وقد صدرت هذا الملحق لمناسبة صدور امر نقل الوالي مدحت باشا من ولاية بغداد وتعين رؤوف باشا خلفا له , ويمكننا ان نعتبر هذه الورقة بداية اصدار الملاحق في الصحافة العراقية .
وهكذا استمرت زوراء تصدر نحو 49 سنة بانتظام واصدرات ( 2607 ) عددا حتى يوم 11 آذار 1927 المصادف 7 جمادي الأول 1335 , ثم توارت عن الأنظار مع وقوع بغداد تحت الاحتلال الانكليزي .